تم نشره فبراير 27, 2022
التسويق النفسي والحنين للماضي
من منّا لا يرغب أن يسافر به الزمن ولو لمرة لزيارة لحظة سعيدة حدثت في زمن ماضي لا نصفه إلا بالجميل؟
ومن منّا لم يدخل مرة إلى متجر مليء بالذكريات في كل زاوية فيه قد تُعيدك طفلًا أو مراهقًا فترفع رايتك مسلمًا بطاقة الصراف ومستسلمًا لنداء الحنين لتشتري كل ما لا تحتاج، لأنك وقعت في فخ الذكريات.
كل هذا يجعلنا نتساءل لماذا يلجأ المسوّقون إلى ذكرياتنا كلما سنحت لهم الفرصة؟ يعيدون خلقها ليسافروا بنا إلى الزمن الجميل، أيعقل أنهم يحملون ذات الحنين؟ أم أن أفكارهم نضبت فلم يجدوا سبيلاً سوى التكرار؟
أم هو فخ تسويقي نستجيب له في كل مرة بوعي ودون وعي؟
دعونا نحكي القصة في هذه التدوينة.
التسويق النفسي: الحنين كمادة للتسويق
كلنا نعلم علاقة علم النفس الوثيقة بالتسويق أو مايعرف بالتسويق النفسي الذي ينطلق من فهم عميق لسيكولوجية المستهلك، لماذا ومتى وكيف يشتري العملاء، وقُدّمت في هذا المجال الكثير من الدراسات التي أجراها باحثون لفهم هذا المستهلك البسيط: أسبابه وحاجاته ورغباته وأهم دوافعه وأساليب الدعاية المناسبة للوصول إليه، ليتوصلوا إلى أن العملاء كائنات عاطفية وأن قرار الشراء ينبع من القلب في معظم الحالات لا العقل، لذا فأسلوب الإثارة العاطفية هو الأنجح والأسرع في الوصول إلى العميل لمرحلة اتخاذ قرار الشراء النهائي دون الحاجة إلى إقناعه منطقيًا بحاجته لما يشتريه الآن، معلومة قُدمت على طبق من ذهب للمسوقين في كل أنحاء العالم الذين لم يتوقفوا منذ ذلك الحين عن تجربة كل الأساليب العاطفية من خلال حملات تسويقية مصممة لتستهدف مشاعر العملاء أولًا بكل أنواعها حزنًا وفرحًا وحنينًا لينشأ ما يعرف اليوم بـ (Nostalgia marketing) أو التسويق بالحنين إلى الماضي.
لماذا ينجح التسويق بالحنين؟
نستطيع القول و دون مبالغة أن التسويق بالحنين هي استراتيجية قابلة للنجاح مع كل جيل و يعود ذلك لسببين رئيسين
أولاً : الإتصال العاطفي بمخزون الذكريات لدى الجماهير
لكل جيل ذكرياته الفريدة، قصصه وأغانيه المشتركة التي يحملها معه يكبر وتكبر بداخله وتمثل له لاحقًا نوعًا من اللغة يفهمها من عاش زمنه فقط، لغة إذا ما أحسنّا استخدامها نحن المسوقون ووضعناها في السياق التسويقي الصحيح بإقامة روابط زمنية ذات مغزى وصلة بعملائنا وناتجة عن فهم واقعي وعاطفي لتاريخهم وذكرياتهم القريبة والبعيدة زمنيًا، فإنها ستؤتي ثمارها وستلقى صدى واسع لدى الفئة المستهدفة،
وثانياً : سرعة الإنتشار
نحن في العصر الذهبي للتسويق ( العصر الرقمي ) إن نجحنا في صياغة الرسائل العاطفية بطريقة تحرك دواخلهم فإنهم حتمًا سيعيدون مشاهدتها ومشاركتها وسنكون حاضرين في أحاديثهم فترة من الزمن بما يحقق للعلامة انتشارًا أوسع ويضفي عليها بعدًا إنسانيًا جديدًا فلا تعود علامة تجارية فحسب بل علامة ذات قيمة تبيع منتجات مُحملة بالمشاعر
منيو الطيبين: كيف رجّع هرفي حنين عملائه 25 سنة إلى الخلف؟
في أكتوبر 2017 لم يكن الزمن هو الزمن في شركة هرفي حين أطلقوا حملة منيو الطيبين
محلقين بذاكرة عملائهم 25 سنة إلى الوراء ليلعبوا على وتر الحنين للماضي بشكل غير مسبوق، ولم يكتفوا بتغير قائمة الطعام والأسعار، بل أعادوا أيضًا إحياء أول هوية تجارية بصرية عُرفت بها الشركة بلونها البرتقالي الجميل وبكامل تفاصيلها، بالإضافة لإعادة تصميم اللوحات الخارجية لبعض الفروع لتطابق ما كانت عليه قديمًا، ثم تمادوا في تحريك عواطف الجمهور بتغليف المنتجات بذات التغليف الذي استخدم في الثمانينات لتكون حرفيًا وجبات مغلفة بالذكريات.
ولم يتوقّف فريق هرفي عن تعزيز فكرة الحملة في كافة منصات التواصل الرقمية وعلى تطبيقات التوصيل في المملكة وإعلانات الشوارع ليتواصلوا مع جمهورهم بكافة الطرق والوسائل التي خاطبوا عبرها الفئة المستهدفة بشكل مباشر وبلغة بسيطة.
https://www.youtube.com/watch?v=T-tcwYwnexU
وصاحب الحملة فيديو إعلاني مصور يجلس فيه شابًا في منتصف العمر في أحد فروع هرفي الحديثة مسترجعًا ماضي عملاء هرفي من حوله الذين كانوا زملاء صف وطفولة يوما مًا، ولكن كما يقول “كبروا الطيبين” مؤكدين من خلاله أن ارتباط هرفي بعملائه ممتد ومتين، عاشوا معه وكبر معهم فهو يعرفهم جيد لدرجة أنه يحكي أخبارهم اليوم.
نتائج الحملة
حصدت الحملة ردود فعل إيجابية وخلقت لدى الجمهور مشاعر فرح وحنين تفاعلوا معها على منصات التواصل الاجتماعي بصور التقطوها من المحتوى البصري للحملة أو لوجباتهم التي كانت بنكهة الماضي، كما شاركوا أحداثًا من ذكرياتهم كان لهرفي فيها النصيب الأكبر بعبارات لم تخلوا من “الله يالدنيا”
وبهذا نجح هرفي في ترسيخ صورة العلامة التجارية وتاريخها في أذهان الجماهير، ونجحت الحملة نجاحًا باهرًا على نطاق واسع تجاوز من عاصروا بدايات هرفي إلى جيل لم يعرفه إلا حديثًا، ولم يكن بالمستغرب فالحنين لا يقتصر على أزمنة عايشناها نحن فقط بل قد يمتد بامتداد جذورنا على هذه الأرض.
الخلاصة
قد تشعر هنا بأن شركة هرفي لها ما لها من تاريخ كبير مكّنها من أن تستند عليه لتبني حملة نوستالجيا كهذه تلامس الجمهور المستهدف بصدق، ولكن يسرني أن أقول لك قد أخطأت، فحتى الشركات الناشئة حديثة العهد بالسوق يمكنها أن تستفيد من أدوات التسويق العاطفي الذي ليس بالضرورة أن يكون مبنيًا على عمر وامتداد وتاريخ الشركة مع عملائها، بل على شخصية العميل المستهدف وتاريخه والذكريات التي تعنيه.
ختامًا
التسويق بالحنين هو أحد أبرز أدوات التسويق الحديث التي إذا استخدمت بالشكل الأمثل ستساعدك في الوصول لأهم هدف تسويقي تسعى له معظم الشركات في العالم، ألا وهو الحفاظ على قاعدة كبيرة ومستقرة من العملاء المخلصين للعلامة التجارية، إلا أنها في ذات الوقت أداة ذو حدين وقد تأتي على الشركة بنتائج سلبية إذا لم نحسن التخطيط والتنفيذ واختيار اللحظات والذكريات والمواسم الملائمة لمخاطبة مشاعر العملاء. كل ما عليك هو أن تحدد عملائك جيدًا وتدرسهم بعناية لتخرج بمحتوى يجعلك جُزءًا من قصصهم.
مصادر
https://www.scirp.org/html/15-9201742_54316.htm?pagespeed=noscript
https://www.entrepreneur.com/article/412489
blog, أحداث التسويق, اعلانات, البراند, التسويق النفسي, التصميم, تحليل, تسويق, تفكير, مشبك
0 تعليقات