تم نشره مارس 26, 2024

التصميم النفسي، سر نجاح علاقتك بعملائك

وصلك استبيان يحصر الإجابات بين (نعم أو لا)، واستبيان آخر يتيح الإجابة بخيارات أكثر: (نعم، ربما، أحيانًا، نادرًا، لا) أي استبيان سيدفعك لاتخاذ القرار بشكل أسرع في إجاباتك؟

على الأغلب سنختار الاستبيان الأول لأنه يتوافق مع رغبات عقلنا الباطني، فالإجابة عليه ستكون أسهل وأسرع، بينما الآخر سيحتاج منا وقتًا أطول وقد نملّ ونخرج من الصفحة دون إكمال الإجابات.

هذا ما يُعرف بالتصميم النفسي، أي أنه كلما زادت الخيارات المتاحة أمامنا؛ زاد وقت اتخاذ القرار بشأنها، وبالتالي قد تتغير قراراتنا مع مرور الوقت وإن كان دقائق معدودة فقط، وذلك لأن كل قرار نتخذه يتأثر بالعاطفة الناتجة عن تأثير لحظي مباشر يحفّز رغبة داخلية مُلحّة، ولكن مع مرور الوقت يقل التأثير الداخلي الدافع لاتخاذ القرار، ومع زوال هذا التأثير نعيد التفكير في الأمر وقد نتراجع عن القرار.

أمّا من ناحية علمية، هو أسلوب تحليل العمليات الإدراكية عند الإنسان لفهم انفعالاته العصبية المؤدية إلى استجابته لما هو موجود في واجهة العلامات التجارية، سواء على منصاتها الرقمية أو على أرض الواقع.

لكن ما صلة التصميم النفسي في الترويج للعلامات التجارية؟

تلجأ العلامات التجارية عند إنشاء هويتها إلى استخدام التصميم النفسي حتى تتقمص دور «الصديق المخلص» لعميلها بتوفير ما يلبي رغباته واحتياجاته ويستوعب ميوله وتوجهاته دون أي عناء يبذله العميل لتوضيح كل ذلك، بل بخطوات بسيطة متدرجة لا تحتاج إلى التفكير الكثير لتضمن العلامات التجارية بها استمراره حتى الوصول إلى النهاية واتخاذ القرار.

فإذا نجحت العلامات التجارية في تحقيق ذلك، لن تحتاج إلى بذل جهد كبير للحفاظ عليه عميلًا دائمًا، بل ستنشأ رابطة عاطفية لدى العميل تجاه العلامة وسيتخذ قراراته الشرائية القادمة بشكل أسرع ودون تردد، حيث سيكون لديه سقف توقع للجودة التي يحصل عليها من خلال التعامل مع العلامة التجارية من جديد دون الإحساس بالخوف من تجربة شيء مجهول، وبالتالي تُبنى الثقة والإخلاص لدى العميل تجاه العلامة التجارية.

ولكن إذا فشلت العلامة التجارية في بلوغ سقف توقع العميل فيما بعد من ناحية تغيّر مستوى الجودة أو مستوى الأسعار أو الخدمة فلن يكون من السهل إرجاع الثقة وبنائها من جديد، وهذا ما يؤكد على الارتباط الشديد بين التصميم النفسي المقدم للعميل خلال عملية الترويج للعلامة التجارية.

حتى تتقن العلامات التجارية دور الصديق المخلص للعميل، لا بد أن تفهم نفسية العميل المستهدف ومتطلباته بجانب متوسط عمره وطبقته الاجتماعية ومدى تأثره بالعوامل المحيطة به في البيئة والمجتمع، وبالطبع تحديد الكيفية التي ستتواصل بها معه، هل ستكون على أرض الواقع أم عبر واجهة المستخدم أم الاثنين معًا؟

التواصل مع العملاء عبر التصميم النفسي

في التصميم النفسي لا نبحث عما هو صائب أو غير صائب، نبحث عما هو مناسب أو غير مناسب للتواصل مع عواطف العملاء.

أولًا: التواصل مع العميل على أرض الواقع

تذكّر معي ما يحدث عند ذهابك إلى أحد محلات العطور مثل العربية للعود، كيف يستقبلك البائع؟ وكيف يقدم لك الخيارات؟ وكيف تكون رائحة المكان؟ والإضاءة؟ ستجد الحفاوة مع دخولك والرائحة العبقة تحت الإضاءة الراقية التي تعكس شخصية العلامة التجارية بجانب إنصات البائع لك عند تحدثك وتركيزه الكامل معك، كل هذه أساليب لفهم تصميمك النفسي وتقديم أفضل ما يتناسب مع رغباتك وتطلعاتك عبر ربط عواطفك بالمكان من خلال مستوى المعاملة والخدمة والجو العام الذي يطغى على كافة فروعهم بحيث تعود لنفس الشعور العاطفي ويخلق نوع من الارتباط بمجرد دخولك لأي فرع من فروعهم.

ومع ذلك فإن البائع لا يكتفي بهذا، بل يدرسك بالكامل خلال ثوانٍ معدودة من خلال قراءة لغة جسدك وتتبع عينيك وانطباعه عن هيئتك وأسلوب حديثك.

ثانيًا: التواصل مع العميل عبر واجهة المستخدم

ربما لاحظت أن صفحات الويب والتطبيقات الخاصة بالعلامات التجارية تشترك إلى حدٍ ما في تصميم واجهتها المتمثلة في الصفحة التي تظهر للعميل عند دخوله للتطبيق أو عبر المنصة الإلكترونية، على أن تتوافق مع دراستها له، وسهولة مسايرتها لتطلعاته التي يبحث عنها في المنتجات.

فالتصنيفات التي تتوفر للعملاء في غالبية التطبيقات كثيرًا ما تنحصر بين أربعة أوجه بُنيَت بعد دراسة التصميم النفسي للعملاء بشكلٍ عام، وهي (الأكثر شيوعًا،  الأعلى تصنيفًا، من الأقل سعرًا إلى الأعلى، من الأعلى سعرًا إلى الأقل)، ومن جانب آخر فهي تحقق توقعات العملاء فيما سيجدوه لدى العلامة التجارية، فمع زيارتهم لمنصة تقدم الوجبات الصحية لن يتوقعوا وجود الوجبات السريعة، وإن وجدت سينتابهم الشعور بعدم الثقة تجاه العلامة التجارية وما تقدمه من منتجات وخدمات.

ولا يقتصر التصميم النفسي على ذلك، بل يمتد إلى اعتياد العملاء على الواجهة بعناصرها التي تضمها مثل أيقونة التخفيضات المستمرة على مدار العام، أو قائمة منشورات المدونة، فإن تمت إزالتها ينتابهم الشعور بعدم الارتياح وقلة الثقة تجاه العلامة بحكم تغيّر المثيرات لردود الأفعال لديهم والناتجة عن التصميم النفسي للمنصة.

ثالثًا: التواصل مع العميل عبر الألوان

تخيّل لو أن مطعم البيك كان شعاره باللون البنفسجي والأبيض، هل ستتواءم هذه الألوان مع ما يقدمه من منتجات؟

وهل يا ترى مطعم الرومانسية اختار الأحمر لونًا في علامته التجارية تقليدًا للعلامة أخرى.. كنتاكي مثلًا!

إذن ما الدافع الذي يجعل العلامات التجارية المتخصصة بالوجبات السريعة تختار الأحمر في هويتها؟ والأخضر في مطاعم الوجبات الصحية؟ ولماذا شركات التنظيف تختار الأبيض؟ 

قد تكون الإجابة بديهية، وهي ما يقدمه هذا اللون من تأثير على العميل، إلا أن الإجابة الأدق هي “التصميم النفسي” فالألوان لها تأثير كبير على توجيه العملاء لاتخاذ قرار الشراء وتحديدًا في الحملات التسويقية، وفيما يلي نستعرض عدد من الألوان الأساسية وما يرتبط بها من معانٍ تصب في مصلحة العلامات التجارية والحملات التسويقية:

• الأحمر: يرمز إلى المشاعر الجياشة القوية مثل مطاعم الوجبات السريعة، ولحثّهم على اتخاذ قرار الشراء نجد استخدام الأحمر يغلب على الحملات التسويقية الخاصة بها. 
• البرتقالي: يرمز إلى الحيوية والنشاط مثل فانتا الذي يركز على توليد هذا الشعور وضمان تكرار العميل للتجربة بشكل مستمر.
• الأخضر: يرمز للصحة والتجدد، ويغلب استخدامه في العلامات المتخصصة بالوجبات الصحية.
• الأزرق: يرمز إلى التوازن والمهنية والثقة العالية، لذا نجده بكثرة في البنوك. 
• الأبيض: يرمز إلى النظافة والنقاء، مما يجعل شركات التنظيف تعتمد عليه بشكل رئيسي.

التصميم النفسي والانتماء

إن الطبيعة البشرية مجبولة على الشعور بالانتماء كونها رغبة فطرية زرعها الله داخلها، وعند تحقيق العلامة التجارية لسقف توقعاتها من كل النواحي؛ يشعر العميل بالانتماء للعلامة، ومن هنا تنطلق العلامة التجارية بخلق سلوكيات تدفع عملائها للتشابه، للاحساس بالقرب والانتماء بشكل أكبر، ومع استمرارها في تقديم خصومات على منتجات محدودة أو أكواد خصم لوقت محدد أو عروض موسمية، يتحفزون لاقتناص الفرصة وشراء المنتج، وبذلك حققت أذكى أساليب التصميم النفسي لتسويق العلامة التجارية بتوليد الانتماء وخلق سلوكيات شرائية ذات اتجاه موحّد.

وبتركيزنا على بناء تجربة إيجابية ومحفّزة للعملاء، يبرز التصميم النفسي كوسيلةٍ قوية لتواصل العلامة التجارية مع عواطف العميل لخلق مستوى جديد من الانتماء والولاء تجاهها وضمان دوام هذا الانتماء مع استمرارية إشباع العلامة لعواطفه وتحقيق التواصل الفعّال.

1

2

3

4

5

6

التصميم النفسي, العملاء, الهويات, تسويق, تصميم, علاقات العملاء, مشبك