تم نشره مارس 26, 2024
حملات الترويج للسُمنة، بين الإيجابية والسلبية
حملات الترويج للسُمنة، بين الإيجابية والسلبية
كبرنا وكل ما حولنا يحذّر من السُمنة، بدءًا من طفولتنا عبر المسلسلات الكرتونية التوعوية، أو التي تتنمّر على أصحاب الوزن الزائد وتُظهرهم بمظهر غير لائق، وصولًا إلى العديد من الرسائل التي نصادفها في حياتنا، عبر المسلسلات والمسرحيات، أو الرسائل التوعوية في الشوارع والتلفاز وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، يتبعها أحيانًا الترويج للوزن المثالي وهوس زيادة الوزن، بالإضافة لجهود الأطباء والمجتمع الصحي في التوعية حول أضرار السُمنة بكافة الوسائل ولمختلف الأعمار، من الأم والأب حتى الطفل، لتؤكد لنا كل أن السُمنة تُشكّل خطرًا على صحتنا، وهاجس يجتنّبه الكثير لاسيما النساء، ولكن هل من الممكن أن تتغير هذه النظرة السلبية والقاسية أحيانًا لإيجابية؟
برز مؤخرًا ما غيّر هذه النظرة السلبية حول السُمنة، حملات تسويقية تسوّق للسُمنة بطريقة إيجابية من منطلق تقبّل الإنسان لجسده وشكله كيفما كان، وهذا ما يسمى “Body Positivity/ الرضا الذاتي عن الجسد”، لكن هل لهذه الحملات أثر سلبي على المجتمع وصحة أفراده؟ وكيف من الممكن أن يكون هذا المفهوم سلاح ذو حدّين.
ما علاقة مفهوم “Body Positivity” بالسُمنة ونظرتنا لها؟
تُعدّ حركة “Body Positivity” أو ” الرضا الذاتي عن الجسد” ظاهرة ثقافية تعود جذورها إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، تُروّج لفكرة القبول الذاتي واحترام جميع الأجسام، بغض النظر عن الحجم أو الشكل، وتهدف إلى تحسين نظرة المجتمع للأشخاص ذوي الوزن الزائد، وتشجيعهم على حب أنفسهم كما هم.
ثم ظهرت هذه الحركة بمفهومها الحالي عام 2012م مع تسليط الضوء على تحدي معايير الجمال الأنثوية التي تعد أحيانًا قاسية وغير واقعية، ومع التفاعل الكبير معها أصبحت تركّز على تقبّل الوزن الزائد ورضا الشخص عن جسمه ووزنه، في رسالة واضحة «كل الأجسام جميلة».
ساهمت هذه الحركة في:
- تعزيز القبول الذاتي: تُساعد الحملات التي تتبنّى هذه الحركة الأشخاص ذوي الوزن الزائد على تقبّل أجسامهم وشعورهم بالثقة بالنفس.
- محاربة الصور النمطية: تُساهم في كسر الصور النمطية السلبية عن السمنة، وتُشجّع على احترام جميع الأجسام.
- التركيز على الصحة النفسية: تُركز على أهمية الصحة النفسية والعقلية، وتُؤكّد على أنّ السعادة لا ترتبط بالوزن.
هذه كلها إيجابيات، ولكن الاستخدام الخاطئ -أحيانًا- أو المبالغة في تبجيل هذه الحركة له العديد من السلبيات، منها:
- تجميل السمنة: قد تُؤدّي بعض الحملات إلى تجميل السمنة وتجاهل مخاطرها الصحية.
- تشجيع السلوكيات الخاطئة: قد تُشجّع بعض الحملات على السلوكيات الغذائية الخاطئة، مثل الإفراط في تناول الطعام.
- إهمال المسؤولية الفردية: قد تُؤدّي إلى إهمال مسؤولية الفرد عن صحة جسده.
الترويج للسُمنة مقابل الحقيقة الصحية
رغم اعتراف العالم بخطر السمنة المفرطة وتهديدها حياة الإنسان، ما زالت بعض الحملات الإعلانية تُروّج للسمنة وتُجمّلها، مما قد يؤثر على الفرد وسلوكه وعاداته الغذائية، وبالتالي التعرض لمخاطر السُمنة الصحية المتعددة.
المخاطر الصحية:
- أمراض القلب والأوعية الدموية.
- مرض السكري.
- الاضطرابات العضلية الهيكلية.
- بعض أنواع السرطانات التي تُصيب (غشاء الرحم، الثدي، المبيض، البروستاتا، … وغيرها).
- زيادة مخاطر الإصابة بفرط ضغط الدم.
- مشاكل التنفس ومعدلاته غير الطبيعية.
- زيادة احتمالات الوفاة المبكرة للبالغين.
المخاطر النفسية:
- الشعور بالخجل وعدم الثقة بالنفس.
- الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية.
- الشعور بالضيق والاكتئاب.
المخاطر الاجتماعية:
- تعرّض الشخص للسخرية والتنمر.
- صعوبة الحصول على وظيفة.
- صعوبة ممارسة بعض الأنشطة الاجتماعية.
المخاطر الاقتصادية:
- زيادة تكاليف العلاج الطبي.
- فقدان القدرة على العمل.
- زيادة العبء على النظام الصحي.
الترويج للسمنة في عصر الوعي الصحي
في عالم يزداد فيه الوعي بالأمراض المزمنة، لا تزال هناك بعض الحملات الإعلانية لعلامات تجارية بارزة تُروّج للسمنة إما بصورة مباشرة من خلال الترويج للأطعمة غير الصحية التي تُسبب السمنة، أو بصور غير مباشرة من خلال الرسائل التي تنتهج فكرة “Body Positivity” بشكل خاطئ.
من أبرز هذه الأمثلة:
- إعلانات شركات الأطعمة السريعة
برزت في الآونة الأخيرة عدد من الحملات الإعلانية لشركات غذائية كبيرة، تعتمد في إعلاناتها على أصحاب الوزن الزائد وهم يُمارسون حياتهم بسعادة ونجاح، دون الإشارة إلى مخاطر السمنة الصحية.
- إعلانات شركات الملابس
تنشر بعض شركات الملابس بين الحين والآخر حملات إعلانية تهدف إلى احترام جميع الأجساد بغض النظر عن حجمها، ولكن أصبح من الملحوظ للعامة أنها صارت في معظمها تُركّز على عرض الأزياء “المقاس الكبير” بطريقة جذابة تُشعر أصحاب الوزن الزائد بالقبول والجمال، وتُؤدّي إلى تجميل السمنة المفرطة وتجاهل مخاطرها الصحية.
- إعلانات شركات مستحضرات التجميل
معايير الجمال التقليدية تضع الأنثى في قالب موحّد، وفي هذا الزمن شكّلت إعلانات شركات مستحضرات التجميل التي تُظهر نساء بوزن زائد تحديًا جريئًا لتلك المعايير. وعلى الرغم من أن الفكرة تتماشى مع مفهوم وفكرة الـ “Body Positivity” إلا أنها تميل لجانب تجميل وتحسين الصورة الذهنية عن السمنة مما يؤدي إلى خلق مفاهيم خاطئة عنها.
حملات نجحت في التوعية بمخاطر السُمنة
في ظل انتشار السمنة المفرطة بشكل مُقلق في العالم، صار من الضروري اتخاذ خطوات فعالة ضد هذه الظاهرة، وتُعد الإعلانات من الأدوات القوية التي يمكن الاستفادة منها للتوعية بمخاطر السمنة المفرطة وتشجيع الناس على اتباع نمط حياة صحي.
ولكن، لا تُحقّق جميع الإعلانات هذا الهدف، فبعض الإعلانات تُركّز على مظهر الشخص بدلًا من صحته، ممّا قد يُؤدّي إلى شعور الأشخاص ذوي الوزن الزائد بالخجل والضيق، في حين تُركز إعلانات أخرى على مخاطر السمنة المفرطة بشكلٍ مُخيف، ممّا قد يُؤدّي إلى شعور الناس باليأس وعدم القدرة على التغيير.
لذلك، من المهمّ أن تُصمّم الإعلانات بطريقة إيجابية وفعالة تُساعد على محاربة السمنة المفرطة دون مهاجمة الأشخاص أصحاب الوزن الزائد.
- حملة “شكِّل حياتك“
حملة توعوية أطلقتها الجمعية العلمية السعودية للسكري والجمعية السعودية لدراسة السمنة بمناسبة اليوم العالمي للسمنة 2022، وذلك بهدف التوعية بمخاطر السمنة والوزن الزائد.
- مبادرة “امش 30“
مبادرة سنوية أطلقتها وزارة الصحة السعودية عام 2019 بهدف تشجيع المجتمع على زيادة معدل النشاط البدني، والمحافظة على الصحة ومقاومة الأمراض المزمنة، حيث يتم تفعيلها في أكثر من 20 منطقة حول المملكة والمدن التابعة لها.
- حملة “Everybody needs everybody“
فازت حملة اليوم العالمي للسمنة التي نظمّها الاتحاد العالمي للسمنة بجائزة أفضل حملة لقضية صحية في فئة الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية. تحت شعار «اليوم العالمي للسمنة مارس 2021 – كل جسد يحتاج للآخر» وكان هدف الحملة زيادة الوعي عن السمنة وتقديم الدعم لمواجهة هذه الأزمة العالمية، مُسلطةً الضوء على الوحدة اللازمة لمعالجتها.
ختامًا، لا ينكر أحد دور التسويق والحملات الإعلانية في تشكيل أفكارنا ومفاهيمنا، بما في ذلك مفهومنا عن السمنة، فبينما تُساهم بعض الحملات في نشر الوعي بمخاطر السمنة المفرطة وتشجيع اتباع نمط حياة صحي، تُساهم أخرى في تجميلها وإخفاء مخاطرها.
المصادر الرئيسية:
الترويج, السمنة, الوعي الصحي, امش 30, تسويق, حملة, حملة إعلانية, مخاطر السُمنة, مشبك
0 تعليقات