تم نشره مايو 21, 2024
علامتك التجارية عالمية، بعقلية محلية
علامتك التجارية عالمية، بعقلية محلية
في رحلة عبر الزمن، نعود إلى زمن ازدهار الحضارة الإسلامية حيث كانت الترجمة بمثابة بوابة عبور المعرفة من ثقافات الغرب إلى اللغة العربية. شجّع الخلفاء المترجمين وأكرموهم، حتى وصلت مكافأة الخليفة المأمون للمترجمين إلى وزن ما ترجموه ذهبًا!
مع مرور الوقت، ازداد الطلب على الترجمة، فاتجه بعض المترجمين إلى نقل روح النصوص بما يتناسب مع البيئات العربية دون التقيّد بالترجمة الحرفية. سهّل ذلك على القارئ العربي فهم ثقافات غربية لم يعرفها من قبل.
واليوم، نشهد ثورة معرفية جديدة، ثورة المحتوى الرقمي الذي يتدفق من مختلف أنحاء العالم؛ أدى انتشار هذا المحتوى وعبوره القارات إلى ظهور مفهوم توطين المحتوى ليصبح بمثابة الجسر الذي يربط العلامات التجارية بجمهورها العالمي، ويقدمها لهم في ثوب محلي يناسب ثقافتهم.
فما معنى توطين المحتوى؟ وكيف يمكننا تحقيق أقصى استفادة منه؟
ما معنى توطين المحتوى؟
هو عملية تخصيص محتوى محدد لأسواق محلية معينة، من خلال ترجمته إلى اللغة المحلية لهذه المجتمعات، وتكييفه مع الثقافة والسياق المحلي، بما يضمن ملاءمته للجمهور المستهدف.
لماذا نوطّن المحتوى؟
- فتح آفاق عالمية: يُوسّع توطين المحتوى نطاق علامتك التجارية، ويُوصلك لجمهور أوسع، ويُضاعف فرص الانتشار والنجاح.
- تعزيز المشاركة: يخلق المحتوى المُوطّن تفاعلًا حقيقيًا، ويُعزز ولاء العملاء لعلامتك التجارية.
- زيادة الإيرادات: تُترجم ثقة المستهلك في العلامة التجارية التي تخاطبه بلغته إلى مبيعات، وإيرادات مُرتفعة.
استراتيجية توطين المحتوى:
حتى تنجح جهود التوطين لا بد من وضع استراتيجية مصممة لتكييف المحتوى، أو المنتجات، أو الخدمات لتناسب لغة وثقافة الجمهور المستهدف بطريقة تبني الثقة بالعلامة التجارية، لذا يجب الأخذ في الاعتبار عدة عوامل مثل الفروق الثقافية الدقيقة، والدين، واللغة، والقيَم، والعادات، والقوانين المحلية.
هنا أهم النقاط التي يمكن الاستفادة منها في بناء استراتيجية توطين المحتوى:
- تحديد الأهداف:
حدد الأهداف التي تريد تحقيقها وبلوغها، ويمكن أن تشمل: زيادة الوعي بالعلامة التجارية، وتحسين مشاركة الجمهور مع المحتوى المُوطّن، وزيادة معدلات عمليات الشراء، أو التسجيل لطلب المعلومات.
- البحث الموسّع والمتعمق:
في هذه المرحلة يتم دراسة السوق المستهدف بالتوطين من حيث الحجم وإمكانات النمو، كذلك الأهمية الثقافية للمنتجات أو الخدمات التي نقدمها لهذا السوق، كما يشمل البحث أيضًا تفضيلات الجمهور المستهدف، ونقاط الألم لديهم، وهو ما يرشدنا لاحقًا عند صياغة محتوى يناسب الجمهور المحلي، ويلبي احتياجاته الفعلية.
- تحديد قنوات التوطين:
قد يبدو من الطبيعي توطين كافة القنوات التواصلية، لكن الأفضل هو تركيز الجهد على القناة التي يمكن أن تساعدنا على زيادة الوعي بالعلامة التجارية، وجذب المزيد من الجمهور، وزيادة معدلات التحويل، مما يعني أننا بحاجة إلى توطين قنوات محددة فقط تخاطب الجمهور المستهدف.
- الترجمة والتكييف:
تبدأ هذه المرحلة بترجمة دقيقة تحافظ على المعنى، وتكييف ثقافي يلامس مشاعر الجمهور الموجه له المحتوى. لا يقتصر الأمر على تكييف محتوى النصوص، بل يمتد ليشمل الصور، والرموز، والألوان.
- الإطلاق والترويج:
نصل هنا إلى مرحلة إطلاق المحتوى المُوطّن، والترويج له في السوق المستهدف.
- التقييم والتحسين المستمر:
تستمر عملية متابعة أداء المحتوى وتقييمه، بعد مرحلة الإطلاق والترويج، وذلك للتأكد من تحقيقه لأهداف الاستراتيجية. يمكن إجراء التعديلات اللازمة لتحسين كلًا من:
- جودة الترجمة والدقة الثقافية.
- جعل المحتوى أكثر سهولة في الاستخدام والفهم.
- استهداف الجمهور بشكل أفضل.
- استخدام أدوات وتقنيات توطين فعالة.
علامات تجارية نجحت، وأخرى أخفقت في مخاطبة الجمهور بلغته المحلية:
كوكا كولا
حققت حملة “شارك“ التي أطلقتها شركة كوكا كولا نجاحًا غير مسبوق في مجال التسويق العالمي. بدأت الفكرة المبتكرة والبسيطة المتمثلة في كتابة أسماء الأشخاص على عبوات الكولا في الولايات المتحدة، ثم امتدت لتشمل دولًا عدة.
اعتمدت حملة “شارك“ على جذب الجمهور المستهدف بطريقة عاطفية، وهو ما أدى إلى بناء وعي هائل وتفاعل كبير من قبل المستهلكين حول العالم، فارتفعت مبيعات الشركة، ووصلت إلى أكثر من 250 مليون عبوة تحمل أسماء محددة في بلد يبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة.
بي إم دبليو BMW
اضطرت شركة بي إم دبليو BMW إلى سحب إحدى حملاتها الدعائية من دولة الإمارات العربية المتحدة؛ بسبب شكاوى محلية حول استخدام النشيد الوطني للبلاد بطريقة غير لائقة في الإعلانات التجارية. يبدأ الإعلان -الذي سُحِب- بوقوف لاعبي فريق كرة قدم محلي في الملعب وهم يرددون النشيد الوطني الإماراتي، لكنهم يتوقفون في منتصف النشيد، ويخرجوا من الملعب لرؤية أسطول سيارات بي إم دبليو BMW. أثار الإعلان شكاوى محلية ودعاوى أنه لا يحترم النشيد الوطني.
التكنولوجيا حليفك في رحلة التوطين:
يعتبر الذكاء الاصطناعي من أهم التقنيات المستخدمة في توطين المحتوى، حيث لا يتوقف دوره عند الترجمة الفورية سواء كتابية أو شفهية مع مراعاة السياق الثقافي للغة المترجم لها، بل يمتد ليشمل تدقيق الترجمة، واقتراح تحسينات عليها، كما يمكن استخدامه في إنشاء محتوى جديد مُوطّن بلغة محددة، وفي تحليل أداء المحتوى المُوطن، وتحديد مدى نجاحه.
التقنية الثانية التي لها دور فعّال في توطين المحتوى هي إنترنت الأشياء (IoT) والذي يقدم إمكانات واسعة لتطوير وتوطين المحتوى بطرق مبتكرة وفعالة، نذكر منها على سبيل المثال جمع بيانات حول سلوكيات المستخدمين وتفضيلاتهم، مثل اللغة التي يتحدثون بها والمحتوى الذي يستهلكونه، وجمع معلومات حول الموقع الجغرافي للمستخدم، وبيئته المحيطة. يمكن استخدام هذه المعلومات لتخصيص المحتوى لكل مستخدم، مما يقدم له تجربة مثالية.
المصادر:
استراتيجية المحتوى, الترجمة, العلامة التجارية, تسويق, توطين المحتوى, محتوى, محلية, مشبك
0 تعليقات