تم نشره ديسمبر 25, 2024
أطفال اليوم، عملاء الغد
.
في عالمنا المعاصر يتعرض الأطفال لتدفق هائل من الإعلانات عبر شاشات التلفزيون، الهواتف الذكية، والألعاب. هذه الإعلانات مصممة بعناية لجذب انتباههم ولعب دور كبير في تشكيل تفضيلاتهم الاستهلاكية.
قوة هائلة كهذه تمثل فرصة ذهبية لبناء علاقة طويلة معهم كمستهلكين، ولكن أيضًا يتطلب الأمر مسؤولية ووعي بآثار الرسائل التسويقية عليهم، والتنبّه للوسائل التقنية التي تسهم في زيادة الوصول لهم في هذا العصر، وهذا يتطلب منّا أن نكون على دراية بأحدث التقنيات للاستثمار في تطوير محتوى جذاب ومبتكر.
الأطفال هم جمهور شديد الحساسية للإعلانات، فهم يتقبّلون الرسالة بشكل مباشر دون تحليلات، لذا تعد صناعة إعلانات الأطفال مسألة حساسة تتطلب دراسة متأنية.
التسويق للأطفال
هو عملية توجيه الرسائل التسويقية لهم بغرض التأثير على سلوكياتهم الشرائية وتفضيلاتهم، تتسم بلغتها البسيطة، ألوانها الزاهية، وأغانيها الجذابة. تتم العملية من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، مثل الإعلانات التلفزيونية، الإعلانات عبر الإنترنت، الألعاب الترويجية، والشخصيات الكرتونية المحبوبة.
هل التسويق للأطفال مهم؟
الطفل ليس مجرد مستهلك، بل هو مؤثر رئيسي في الأسرة ويمثّل سوقًا مستقبليًا واعدًا.
فهم سيكولوجية الطفل وتفضيلاته أمر مهم، لذا فإن أهم الأسباب التي تجعل الطفل هدفًا ذا أهمية للمسوّقين هي:
– القوة الشرائية غير المباشرة: الأطفال يؤثرون بشكل كبير على قرارات الشراء لعائلاتهم، مما يجعلهم هدفًا أساسيًا للإعلانات.
– العملاء الواعدين: بناء ولاء للعلامة التجارية منذ الصغر يعني ضمان قاعدة عملاء مخلصة في المستقبل.
– سهولة التأثير: عقلية الأطفال المفتوحة وعواطفهم القوية تجعلهم أكثر استجابة للإعلانات.
– الانتشار عبر الشبكات الاجتماعية: أطفال هذا الجيل يشاركون الإعلانات مع أصدقائهم وعائلاتهم، مما يزيد من انتشارها.
.
بداية الإعلانات للأطفال
تعتبر إعلانات الأطفال من أقدم وأكثر أنواع الإعلانات تأثيرًا، بدأت رحلتها مع بدايات الإذاعة والتلفزيون، وتطورت مع تطور وسائل الإعلام والتكنولوجيا، وهدفت من بدايتها إلى جذب انتباه الأطفال وإقناعهم بشراء منتجات معينة، وهذا ما أثار العديد من الأسئلة حول تأثيرها على الطفل وسلوكه.
.
العصر الذهبي للإذاعة
ظهرت أول محاولات التسويق للأطفال عبر الإذاعة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. كانت الإعلانات حينها عبارة عن رسائل تجارية ضمن المحتوى الترفيهي في البرامج الإذاعية للأطفال.
.
ظهور التلفزيون
في الخمسينيات والستينيات، انتقلت الإعلانات الموجهة للأطفال إلى شاشات التلفزيون في صور وأشكال ذات ألوان زاهية تجذب أنظار الأطفال بلغة بسيطة تصل لهم بشكل مباشر غير معقد، مثل إعلانات حبوب الإفطار، الألعاب، منتجات الحليب والألبان.
.
ذروة الإعلانات
سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، شهدت فيها إعلانات الأطفال ازدهارًا وانتشارًا واسعًا من خلال تكريس التقنيات الجديدة في جذب الأطفال، واستخدام الشخصيات الكرتونية، الألحان والأغاني المبهجة لربط المنتجات بمشاعر إيجابية لديهم.
.
التنظيم الحكومي
تسعينيات القرن الماضي، بدأت العديد من الحكومات بوضع قوانين وأخلاقيات تنظيمية للإعلانات الموجهة للأطفال، بهدف حمايتهم من الانتهاكات والتأثيرات السلبية عليهم.
.
العصر الرقمي
في القرن الواحد والعشرين، ومع ظهور الإنترنت والهواتف الذكية وأجهزة البلايستيشن، انتقلت الإعلانات الموجهة للأطفال إلى العالم الرقمي، أصبحت الإعلانات أكثر تخصيصًا وتفاعلًا من خلال استخدام بيانات الأطفال الشخصية.
..
كيف يُستهدف الطفل في الإعلانات؟
تحرص بعض الأمهات على اختيار منتجات عالية الأمان لأطفالهنّ، بحيث تكون صحية تجمع بين المتعة والفائدة، بينما تبحث أخريات على منتجات ذو اسم تجاري مشهور، والبعض الآخر من الأمهات يبحثن عن المنتج الأكثر توفيرًا.
على ذلك يتم استهداف الأطفال عن طريق ديموغرافية الأهل ومكانتهم الاجتماعية ومستوى دخلهم المعيشي.
.
الألوان، الخطوة الأولى للتواصل بين علامتك التجارية والطفل
الألوان هي لغة عالمية يتحدثها جميع الأطفال بطلاقة، لذلك تعتبر أداة فعّالة في بناء علاقة قوية بينهم وبين علامتك التجارية وخلق تجارب إيجابية لا تُنسى عند توظيفها بذكاء واستخدام الألوان المناسبة التي تشد الانتباه، مثلًا الألوان الدافئة تثير المشاعر الحماسية، والألوان الباردة تعطي شعور الأمان.
بالإضافة لذلك، تستطيع بالألوان أن تحكي قصصًا شيّقة، وتربط شخصيات محببة عند الأطفال بعلامتك التجارية، مثل: اللون الأصفر وشخصية المهرّج لشركة ماكدونالدز، واللون الوردي بعلامة باربي الشهيرة.
لذا، فإن اختيار الألوان ليس مجرد قرار تصميمي، بل هو أيضًا استثمار في بناء علاقة متينة مع عملاء المستقبل.
.
مع كل وجبة طفل، لعبة
تتبع الكثير من المطاعم فكرة «اللعبة» مع كل وجبة أطفال، ولعل أول من بدأ تطبيق هذه الفكرة هي سلسلة المطاعم الشهيرة «ماكدونالدز»، حيث ارتبطت شخصية المطعم «رونالدو» بالكثير من ذكريات طفولتنا التي كانت في إحدى الفترات لعبة مع وجبات الأطفال، ولا زال الكثير منا يحتفظ بهذه الألعاب حتى اليوم، مع شعورنا بالسعادة والمرح عند رؤيتنا لماكدونالدز.
اتبعت هذا النهج العديد من المطاعم لاحقًا بمختلف الشخصيات المفضّلة للأطفال مثل (توم آند جيري، هيلو كيتي، مينيونز، نينجا، شخصيات ديزني…) الأمر الذي يعد دافعًا قويًا للطفل على طلب الوجبة مرارًا وتكرارًا للحصول على اللعبة، الهدف الأقوى من ربط المنتج مع الشخصية الكرتونية المفضلة لدى الأطفال، هو ربط الزبائن عاطفيًا منذ نعومة أظافرهم مع العلامة التجارية.
.
.
التسويق الطنّان
أو «Buzz Marketing»، وهو أسلوب تسويقي هدفه خلق ضجة إيجابية حول المنتج أو خدمة، في عالم إعلانات الأطفال يعتبر المفهوم فن بناء علاقة قوية بين العلامة التجارية والطفل.
يستخدم التسويق الطنان في إعلانات الأطفال عن طريق القصص المشوّقة، الشخصيات المحبوبة، التفاعل المباشر مثل الألعاب التفاعلية عبر الإنترنت، التسويق الشفهي «word of mouth» أو العدوى التسويقية التي تقوم على تشجيع الأطفال على التحدث عن المنتج لعائلاتهم وأصدقائهم، وأخيرًا يستخدم في منصات التواصل الاجتماعي بشكل مكثف بسبب توجه واستخدام أطفال هذا الجيل لها.
.
قوانين وأخلاقيات الإعلانات للأطفال
تعد حماية الأطفال من التأثيرات السلبية للإعلانات مسؤولية صنّاع الإعلانات، والهيئات التنظيمية، والأهل، والمجتمع عمومًا. من خلال وضع قوانين وقيود أخلاقية واضحة، تُخلق بيئة إعلانية صحية وآمنة للأطفال.
من أهم القيود والأعراف الأخلاقية:
– الحماية من التضليل: يجب أن تكون الإعلانات واضحة لا تحتوي على معلومات مضللة أو مبالغ فيها.
– التشجيع على السلوكيات الإيجابية: لا بد من أن تقدم الإعلانات الموجهة للأطفال قيَم إيجابية مثل: التعاون، الاحترام، الصدقة.
– تجنب الخوف والعنف: استخدام أسلوب التخويف، او تصوير مشاهد عنف، يؤثر سلباً على نفسية الطفل أو حتى تزرع فيه سلوكيات عنيفة.
– الواقعية: الشفافية في إعلانات الاطفال مهمة، حتى يفهم الطفل أن ما يشاهده هو إعلان وليس محتوى واقعي.
– التركيز على الفوائد التعليمية: يمكن لإعلانات الأطفال أن تكون أكثر من مجرد وسيلة تسويق، من الممكن أن تكون أداة قوية تبني جيل مبدع ذو مهارات عالية، ومن خلالها تستطيع العلامة التجارية تحقيق أهدافها التسويقية، وتقديم الفائدة في الوقت نفسه.
.
مستقبل إعلانات الأطفال في ظل التطور التكنولوجي
يشهد عالم الإعلانات ولا سيّما إعلانات الأطفال تطور تكنولوجي سريع، ظهور الواقع الافتراضي والمعزز، والذكاء الاصطناعي الذي يمكّن صنّاع الإعلانات من تقديم تجارب تسويقية أكثر فعالية ومتعة.
هذا التطور يفتح آفاق جديدة مُمكّنة للإبداع والابتكار، ولكنه قد يطرح بعض التحديات مثل:
– التوازن بين التسويق والتعليم: المحافظة على التوازن بين الجانب التسويقي والجانب التعليمي في الإعلانات الموجهة للأطفال تحدي يواجهه صنّاع الإعلانات، لاعتمادهم غالبًا على خبراتهم الشخصية في تقديم الفائدة داخل محتوى الإعلانات، دقة وموثوقية خبراتهم هُنا لا تُعتمد بسبب غياب المصادر والمراجع الحقيقية.
– التنافس الشديد: المنافسة في سوق إعلانات الأطفال شديدة، مما يدفع الشركات إلى البحث عن طرق مبتكرة لجذب انتباه الأطفال، وهذا قد يقود إلى استخدام تقنيات تسويقية أكثر تعقيدًا وأقل شفافية.
– تغيُّر سلوك المستهلك: الأطفال في جيلنا الحالي أصبحوا أكثر وعيًا بالإعلانات وأكثر قدرة على تقييمها، لذا على العلامات التجارية أن تتكيف مع هذا التغير، وأن تقدم إعلانات أكثر جاذبية وملاءمة.
مستقبل التسويق للأطفال واعد ومليء بالاحتمالات. من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والتفكير الإبداعي، يمكننا خلق تجارب تسويقية ممتعة ومفيدة للأطفال، وتلبية احتياجاتهم المتزايدة. ولكن يجب أن نتذكر دائمًا أن الطفل هو محور كل شيء.
.
.
المصادر:
0 تعليقات