تم نشره يناير 26, 2025
اللغة الأم: جسر التواصل الرقمي
في حين كنت تتصفح أحد برامج التواصل الاجتماعي، لاحظت إعلان لإحدى العلامات التجارية مكتوب بلهجتك المحلية، وبالرغم أنك لست من جمهورها المستهدف، وصلك شعور أن الإعلان خاص بك وموجّه لك أكثر من أي إعلان آخر صادفك قبل هذه اللحظة.
وعند تفكيرك حول سبب هذا الشعور كانت الإجابة (تكلّم معي بلغتي الأم!) ببساطة، اللغة الأم غير مقتصرة على كونها وسيلة للتحدّث والكلام، هي أيضًا جسر يوصلنا بعالم صادق وقريب.
لغتك الأم هي مرآة هويتك، نغمة مشاعرك، وصوت يومياتك
استخدامك لها في المحتوى الرقمي لا ينقل مجرد معلومات، بل يبني جسور رقمية توصلك بجمهورك.
تخيّل إعلان يتحدث نفس لهجتك، يستخدم عباراتك اليومية، ويرتبط بتفاصيل حياتك، هذا الأمر أثره عميق علينا كجمهور، ليس لأن الإعلان جذاب فقط، وإنما لأنه أيضًا لامس شيء داخلك، شيء يشبهك.
مثلاً العلامات التجارية العالمية التي أصبحت تستخدم اللغة الأم في إعلاناتها لجذب انتباه جمهورها وربطهم بها، مثل ماكدونالدز التي استخدمت جملة: “يستاهل اللجة، ويستاهلك” وكرسبي كريم في اقتباسها من أغاني محمد عبده: “ كيف نخفي حبنا لدونات الجليزد؟ ”
لهجتك المحلية أقوى من أي إعلان مدفوع
استخدامك للغتك الأم خيار تسويقي ووسيلة تخلق شعور الألفة والثقة، وتكسر حاجز الرسمية بينك وبين جمهورك مما يمنحهم انطباع أنك تفهمهم وتشاركهم قضاياهم، وهذا يُعزز مصداقيتك أمامهم سواء كنت «مؤثر/ إنفلونسر» أو صاحب علامة تجارية، ومن الأمثلة الموضحة لقوة اللهجة المحلية إعلان مطعم مور «morr» الذي اُستخدم فيه اللهجة المحلية وتم توظيف كلمة «الطفرة»، في الإعلان لتعكس فهم العلامة التجارية للجمهور ومخاطبتها لهم بلغتهم.
أقرب طريق لقلب جمهورك هو لهجتهم
لما تتكلم بلغة جمهورك، فأنت لا تخاطب عقولهم فقط، بل قلوبهم، وهذا ما يعزز ولاءهم لك كشخص أو كصاحب علامة تجارية، على سبيل المثال؛ اختار شاورمر في أحد إعلاناتهم عبارة: “طب وتخيّر من ذا وذا ” العبارة خلقت شعور لدى الجمهور بأن شاورمر قريب منهم ويفهم احتياجاتهم ورغباتهم، وكذلك بعض العلامات التجارية العالمية مثل أديداس الذي تعاون مع مشاهير من مصر ليخاطبوا جمهورهم المصري بلهجتهم المحلية في إعلاناتهم بهدف بناء علاقة حقيقية مع الجمهور على المستوى الثقافي والشخصي.
خير المقال ما صدّقته الأفعال
اللغة الأم تُسهّل عملية اتخاذ القرار بعبارات بسيطة مثل: «طلبك يوصلك وإنت مرتاح» من تطبيقات توصيل الطعام، جملة تخلق شعور الراحة والثقة بأن الخدمة مصممة خصيصًا لاحتياجاتهم، مثل نعناع أحد تطبيقات التوصيل البقالة يقول «آمر على نعناع وتدلّل، وغداك يوصلك كامل مكمّل» عبارة تعلّمنا أن بإمكاننا استخدام التطبيق بسهولة وسلاسة، ووضّحت أن نعناع يهتم براحة جمهوره ودايم في خدمته.
اللي ما له قديم ما له جديد
المعضلة تكمن في كيفية استخدام لغتك الأم بأسلوب يواكب العصر الرقمي، بحيث تحافظ على أصالتها من جهة، وتضمن من جهة أخرى أن يكون المحتوى بسيط، قريب، واحترافي، مثل شركة كريم التي استخدمت عبارة “احجز مشوارك الحين!” في ترويجها لخدمة التوصيل، ومع استخدامها لكلمة “الحين” باللهجة المحلية أضافت طابعًا ثقافيًا جعل الإعلان يبدو وكأنه يخاطب الجمهور بلغتهم اليومية، في المقابل كانت صياغة العبارة مباشرة وواضحة، مما عزز سهولة فهمها وارتباطها بالخدمة المقدمة؛ هذا المزيج بين الأصالة والعصرية جعل الجمهور يشعر أن الإعلان قريب منهم ومرتبط بتجربتهم اليومية، دون أن يفقد قيمته الاحترافية.
بهذا، يظهر أن الجمع بين اللغة المحلية والتجربة الرقمية الحديثة استراتيجية تؤكد على أصالة الرسالة مع تقديم محتوى متماسك يلبي تطلعات العصر.
إذن، كيف توظف لغتك الأم بنجاح في محتواك الرقمي؟
- قرّب من جمهورك: استعمل لغة جمهورك، واجعلهم يشعرون أنك «واحد منهم»
- اصنع محتوى حقيقي: مستمد من الواقع بدون تصنّع أو تعبيرات لا تناسب جمهورك.
- وازن بين العصرية والمحلية: لا تخف من استخدام كلمات أجنبية مع لغتك، لكن احرص على أن لا تفقد هويتك.
- كُن ملهمًا ومؤثرًا: احكِ قصص وأمثلة من واقع جمهورك حتى يفهمك وفي الوقت نفسه تربطهم بك.
قصة محليّة، ارتباط عالمي
القصص من أكثر الأساليب فعالية في التواصل، وإذا سُردت بلغة الجمهور، تكون أكثر تأثيرًا، فحين تروي قصة بلهجة محلية أو بطريقة تعكس واقع جمهورك، تكون بهذا نقلت تجربة يتردد صداها بشكل أكبر.
مثلاً، المشاركة التي قدمتها وزارة الحرس الوطني في اليوم الوطني السعودي 93، بعمل «#عيالي_فداها» الذي يحتفي بشهداء الواجب من رجال السعودية ويستشهد بقصة حقيقية مؤثرة لأم رفضت أن تبكي على ابنها الشهيد و «زغرطت» متباهية به وبما قدمه من تضحية في سبيل حماية أرض الوطن.
خطوة أقرب إلى نجاحك الرقمي
في النهاية، لغتك الأم ليست فقط أداة للتواصل، هي ركيزة لهويتك الرقمية، وفي استثمارك فيها، تكسب ثقة جمهورك وولائه على المدى الطويل، تذكّر أن جمهورك يبحث عن محتوى يشبهه، ويعكس قيَمه وهويته.
لذلك، المرة القادمة حين تفكر في صياغة رسالة أو كتابة إعلان، اسأل نفسك: “هل هذا المحتوى يشبه جمهوري؟ هل يتكلم لغتهم؟” إذا كانت الإجابة “نعم” فهذا يعني أنك اقتربت من جمهورك ومن بناء علاقة حقيقية معه، وبالتالي سيكون نجاحك الرقمي ليس فقط كشركة أو علامة تجارية، بل كشخصية قريبة وحقيقية في عالم تسويقي يزداد منافسة كل يوم.
المصادر:
0 تعليقات