تم نشره فبراير 19, 2023
الملابس التراثية: سفيرة الثقافة
تستطيع تمييز دول وثقافات عديدة من مبانيها المختلفة، نكهاتها الناطعة، وأزيائها المميزة. ما بين الفساتين الفيكتورية وثياب الكيمونو الحريرية، و التنانير الاسكتلندية بألوانها ونقوشها المقلّمة، تعامل الشعوب الملابس التقليدية بأهمية كبرى، فهي أكثر من مجرد قطعة منسوجة، وتمثل الهوية الوطنية والانتماء للأرض وللأصل.
فعلى سبيل المثال، وضع البشت على أكتاف بطل العالم ميسي لم يكن لمجرد الاحتفال، إنما إثبات لأهم صورة سيتم حفظها وإعادة بثها عبر الأجهزة أن احتفالية ميسي التي طال انتظارها حدثت على أرض العرب.
الملابس التراثية تلعب دورًا أساسيًا في المشاهد السياسية والثقافية للدول، فهي تنسج الانتماء الوطني نسجًا وثيقًا، ونحن نحفل في مملكتنا الحبيبة بتشكيلة متكاملة من الأزياء التقليدية التي تعكس أصالتنا وموروثنا المحلي الثمين المتوزع على مناطق المملكة، وهذه الروح المطلوبة في “يوم التأسيس”.
كيف يحمل البرقع على جناحيه حمل الإرث؟
بعد أن كان سوق الملابس التراثية لا يزدهر سوى قبيل شهر رمضان والاحتفالات بالجنادرية أو الاحتفالات الوطنية في المدارس، يتفاجأ البسطاء أصحاب البسطات في الأسواق الشعبية بعد الإعلان عن يوم التأسيس، فهم أول المستفيدين من هذه الحركة التجارية غير المعتادة، فالكثير من النساء والشباب أتوا لاقتناء البراقع والأزياء التراثية للاحتفال بذكرى يوم التأسيس. سوق الأزياء التراثية ازدهر تدريجيًا، مع اهتمام الدولة لها في السنوات الأخيرة لم يعد يخلو بيت من احتواءه للبس تراثي في أحد خزائنه.
نحن لا نرتدي الزي، نحن نرتدي الفكرة
الاهتمام الكبير بالأزياء التراثية في الآونة الأخيرة يمثّل دعاية إعلانية مجانية للثقافة السعودية الغنية بالتفاصيل، فالملابس التراثية تمثّل ذاكرة ملموسة لتاريخ مملكتنا العريق فازدهار سوقها لدى الشباب يؤدي إلى تسليط الأضواء على اختلاف الألوان المبهجة والتصاميم الهندسية بين مناطق المملكة، مما قد يثير الفضول لدى الكثير للبحث أكثر عن تاريخ الملابس التراثية ومسمياتها وسبب اختلاف تصاميمها.
الأزياء التقليدية كانت على حافة الاندثار التام، لكننا نعيش الآن تدفق استخدام في شتى أنواع المقتنيات. بتصاميمها الحديثة، المواكبة لأذواق الشباب. الاهتمام الثقافي أعاد الحياة للأنماط التراثية، وربما شعار القمة العشرين كان له أثره الكبير في ازدهار سوق السدو، بنقوشاته المثلثية ودرجات ألوانه القرمزية، وعكس عمقه الثقافي علينا فهو ما اتخذه أجدادنا منزلًا لهم، يسكنونه ويسكنهم. السدو، الذي امتلأت البيوت منتجات كُحّلت بأنماطه، ومع دخول شباب الوطن لعالم التصميم نجد أننا نرى لمسات من تراثنا وملابسنا التقليدية في الحقائب الحديثة والعبايات والأكواب وغيرها المزيد من المنتجات، التي تعتبر محببة للاقتناء عند الجميع، فحتى السياح الآن يميلون لشراء هذا النوع من المنتجات كهدايا تذكارية.
سفيرة الثقافة المنسوجة
الأزياء التراثية تعتبر جزءًا لا يتجزأ من ملامح المجتمع والموروث الاجتماعي، والحفاظ عليها يعني التمسك بالهوية الأصيلة وحمايتها من الاندثار. نجد أنفسنا اليوم نرتديها في مختلف المناسبات، من احتفالات يوم التأسيس وكأس السعودية، والمحافل لمواسم السعودية أو الاحتفالات الشخصية من زواجات وغيرها.
يتضح التباين بين الماضي والحاضر فيما يتعلق بالأزياء التي ترتدى اليوم، فنحن لدينا الملابس التقليدية والملابس التراثية، والتقليدية ببساطة هي الثوب والشماغ بالنسبة للرجال أما النساء فهي العبايات وملحقاتها، وهذه هي ملابسنا المعتادة اليومية، ونجد من يمثلوننا في مقدمة الصف وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين و ولي عهده، يحرصون كل الحرص على ارتداء اللباس السعودي التقليدي في كل المحافل، والسبب خلف ذلك بسيط في ظاهره وعميق في داخله؛ فالزي الوطني يعتبر رمزًا وجزءًا من الهوية الوطنية، ولا يمكن التنازل عنه.
التعويل على الملابس التراثية للمحافظة على إرث الأجداد
قد تجرب عند زيارتك دولة ما ارتداء الزي التقليدي لديهم، وقد تشتريه بدلًا من الهدايا التذكارية المعتادة. الاهتمام العالي باللباس التراثي في الفترة الأخيرة يمنح جوانبًا عدة سواءً على المستوى المحلي أو الدولي، فاللبس التراثي لا يرتبط بالتاريخ فقط إنما أكثر، فهو بالنسبة للكثير رمزية ملموسة لذكرياتهم الشخصية عن أجدادهم وعوائلهم، عن ذاكرة عميقة تنصب لتمثّل أمجاد عريقة لدولة عظيمة. من ضمن جهود الدولة في المحافظة على تراثنا حي، هي أكواد البناء لعكس روح المنطقة، فعلى سبيل المثال كود البناء لوادي حنيفة يهتم بتوجيه التطور العمراني بشكل متسق مع تميز المنطقة الطبيعي ويتلائم مع البيئة الفريدة له، وعكس جوهر شخصيتها التراثية.
كتب مكدسة ودراسات طويلة
تتكدس الكتب التي تشرح تطور الملابس التقليدية فهي تعتبر موروثًا وتراثًا، وهي تختلف في تفاصيلها وألوانها وطريقة حياكتها من شعبٍ إلى آخر، ورغم تحديات العصرية والتجديد والعولمة، والتمسك بها عبر الأجيال هي مسألة جادة فالتراث الشعبي من فنون وملابس تصور ارتباط الشعوب للأرض، وذاكرة الناس الجمعية والبحث والتحري خلف تصاميمها وأقمشتها يجعلنا نفهم أكثر في معايير ذلك الزمان وتقاليده وحتى الظروف المناخية.
تمتاز مملكتنا بثراء ثقافي، فنحن ننعم بتنوع الأزياء التقليدية في كل منطقة من مناطق الدولة، وما نراه من عودة للأزياء التراثية والمحافظة عليها من الاندثار، وجهود الدولة في تفعيل الهيئات والمراكز لدعم الشباب في العودة لنقطة الأصل هو أمر يستحق الفخر، التمسك بالأصالة يعتبر ترجمة ملموسة للانتماء وتجسيد واضح للهوية، والزي الوطني هو رمز للدولة وتراثها.
مصادر:
0 تعليقات