تم نشره سبتمبر 30, 2024
الإعلان: فن الإقناع عبر العصور
الإعلانات أو الدعايات.. جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية وروتين تصفّحنا لمنصات التواصل الاجتماعي أو تنقّلنا في الطرق والدوامات، الأسواق التجارية وغيرها.. تحاصرنا في كل مكان، سواء كان هذا بإرادتنا أو تلقائيًا باعتراضها لنا أثناء تصفحنا منصات التواصل قبل النوم.
يعود تاريخ الإعلانات إلى آلاف السنين، من النقوش على جدران الكهوف إلى الإعلانات الرقمية المتطورة اليوم، مرّت صناعة الإعلانات بتطور هائل شكّل هوية المجتمعات والثقافات على مر العصور، لأنها إحدى وسائل التواصل بين البشر.
في هذه التدوينة، سنتعرف على بداية الإعلانات وتطورها عبر العصور المختلفة، وكيف أصبحت قوة مؤثرة في عالم الأعمال والتسويق.
بداية الإعلانات
يعود أقدم دليل على الإعلانات إلى العصور الحجرية، حيث كانت النقوش على جدران الكهوف تُستخدم للتعبير عن الأفكار والترويج للأحداث، لأن البشر كانوا يعتمدون على الرسوم التوضيحية لإيصال ما يودّون قوله ونقل أفكارهم وقصصهم عبر الأجيال، لذا تعد هذه الرسوم الصخرية شكل من أشكال الإعلان ونشأته.
ويظل ظهور الكتابة أحد أهم الاختراعات على مر التاريخ البشري، فقد كانت ولا زالت توثق الأفكار والأحداث والقصص، ويعود تاريخ أقدم إعلان لـ 3000 سنة قبل الميلاد كتبه أحد تجّار الرقيق بحثًا عن عبدٍ هارب، روّج في نهاية الإعلان عن مصنع النسيج الخاص به.
كما وُجد أيضًا دليل على استخدام فن الجرافيتي كشكل أوّلي من أشكال الإعلان المطبوع في روما القديمة، وكان أشبه بحائط يدوّن فيه الناس رسائل عامة كمذكرات أو يوميات.
الإعلانات في العصور الوسطى
كانت الإعلانات في العصور الوسطى تعتمد بشكل كبير على البائعين الذين يجوبون الشوارع وينادون ببيع المنتجات والخدمات، كما ظهرت النقوش الخشبية والطباعة على الورق، مما ساهم في انتشار الإعلانات على نطاق أوسع بعد اختراع المطبعة، فكان أول إعلان نُشر في الصُحف والجرائد عام 1625م، وكانت تندرج الإعلانات في ذلك الوقت تحت اسم «نصائح/ Advices»، ثم في عام 1655م أصبح اسمها «إعلانات/ Advertising» وكان جُل مواضيعها إعلانات عن الكتب، الأدوية، الشاي والبُن والشوكولاتة، بالإضافة إلى الإعلان عن المفقودات.
الإعلانات عند العرب
لا يفوتنا أسواق العرب في الجاهلية مثل «عكاظ، المربد، وغيرها» والتي تعد قناة ووسيلة إعلانية فعالة حينها، حيث كان يُباع فيها الجلود والصوف وأدوات الزينة، ويُعلن عنها بالنداء، كما أن تداول الشعر كان يعد إعلانًا وتسويقًا، بدءًا من إعلان الشاعر أن لديه قصيدة جديدة -والتي تعد منتجًا- ليسمعها الجمهور من الشعراء والباعة وزوار السوق، والتي تتضمن إيصال رسالة «هجاء، رثاء، مديح».
قُل للمليحة بالخمار الأسود
بيت شعر تردد كثيرًا بيننا، وترجع قصته إلى رواية تقول أن تاجرًا حجازيًا قدم إلى الكوفة بالعراق لبيع الخُمر النسائية، نجح في بيعها كلها عدا التي كانت باللون الأسود، فكّر البائع في حيلة لإقناع النساء، فلجأ للشاعر «مسكين الدارمي» الذي كان وقتها قد اعتزل الشعر ومجالس الغناء واختلى بنفسه في المسجد، طلبه التاجر العون في بيع بضاعته، رفض الشاعر بالبداية لكنه عطف عليه لاحقًا، حينها أنشد الشاعر «قُل للمليحة بالخمار الأسود، ماذا فعلتِ بناسكٍ مُتعبّد، قد كان شمّر للصلاة ثيابه، حتى وقفتِ له بباب المسجد»
ثم انتشر في أحياء الكوفة أن الشاعر الدارمي ترك الزهد بعد أن رأى امرأةً بالخمار الأسود وأُعجب بها، لتُقبِل بعد هذه الأبيات النساء على شراء الخمار الأسود، وكانت هذه أول دعاية تسويقية في التاريخ الإسلامي.
الثورة الصناعية والإعلانات
شهدت الثورة الصناعية تحولًا جذريًا في عالم الإعلانات، وفي عام 1605، أصدر «يوهان كارولوس» أول صحيفة في العالم تسمى Relation aller Fürnemmen und gedenckwürdigen Historien في ستراسبورغ.
ومن وقتها، ازدهرت طباعة الصحف والمجلات الجديدة وتوزيعها في جميع أنحاء العالم الغربي، ثم انتقلت هذه الثورة للإعلان المطبوع في عام 1836م عندما أسس الصحفي الفرنسي «إميل دي جيراردين» صحيفة Las Presse، كأول صحيفة تدعم طباعة الإعلانات، نتيجةً لهذا، تولى الإعلان دورًا أكثر تخصصًا مع افتتاح أول وكالة إعلانية بعد 5 سنوات في عام 1841م داخل الولايات المتحدة.
وكانت P&G من أوائل مَن أسس مفهوم العلامات التجارية والإعلانات، حيث كانت من أوائل الشركات المعلنة على التلفزيون خلال منتصف الثمانينيات، وفي أواخر التسعينيات، أصبحت أكبر شركة مُعلنة في العالم، وبنَت علامات تجارية قوية مثل «تايد، بامبرز، جونسون» لتكون علامة تجارية مؤثرة في مجال الإعلانات والتسويق.
ومع ازدياد الإنتاج وظهور المصانع، أصبح هناك حاجة للترويج للمنتجات الجديدة بهدف الوصول إلى شريحة أكبر من المستهلكين. ساهمت هذه الثورة في ظهور الطبقة الوسطى، والتي كانت تمتلك دخلًا كافيًا للإنفاق على السلع الاستهلاكية، مما زاد من أهمية الإعلانات كأداة للتسويق لهذه المنتجات، لذا بدأت الصحف والمجلات تلعب دورًا محوريًا في نشر الإعلانات، حيث كانت تمثّل وسيلة فعالة للتواصل مع الجمهور المتزايد، كما شهدت المدن نموًا سريعًا، فظهرت اللافتات الإعلانية الضخمة في الشوارع والساحات، مما ساهم في ترسيخ صورة العلامات التجارية في أذهان المارة.
الإعلان في القرن العشرين: عصر الابتكار والتوسع
شهد القرن العشرين تطورات هائلة في مجال الإعلانات، حيث ظهرت وسائل إعلانية جديدة مثل الراديو والتلفزيون، ومن بعدها الإنترنت ليكون تحديًا جديدًا يواجه هيمنة الإعلان المطبوع.
في عام 1920، واجهت الإعلانات المطبوعة أول منافس رئيسي لها، وهو الراديو، حيث كانت الإذاعة وسيلة ثورية سمحت للشركات بالوصول إلى جمهور أوسع من خلال الصوت، مما أدّى إلى ظهور برامج إعلانية مبتكرة وأغاني إعلانية رسخت في أذهان الجمهور.
في عام 1939، واجهت الإعلانات المطبوعة منافسها التالي «التلفاز» وقد كان منافسًا قويًا للراديو كونه يجمع بين الصوت والصورة، وأصبحت الإعلانات أكثر جاذبية وقوة وتأثير، مما سمح بتقديم عروض إعلانية أكثر إبداعًا وفعالية. وتم بث أول إعلان تلفزيوني في عام 1941م ليُصبح التلفاز إحدى أكثر وسائل الإعلان سهولة وفعالية في إيصال الإعلانات للجمهور.
من الستينيات إلى الثمانينيات، مر الإعلان بما يقال له «العصر الذهبي للإعلان» الثورة الإبداعية التي اعتمدت بشكل أكبر على الأفكار وبدأت في دمج علم النفس والبحث المستهدف في إنشاء الإعلانات، حيث عكست الإعلانات المطبوعة هذا الزخم في استخدامها للمساحة والألوان والأفكار الأكثر تجريدية لتسويق منتجاتها وخدماتها.
إعلان مطبوع لشركة فولكس فاجن 1960م
الإعلانات في العصر الرقمي
ومع ظهور الإنترنت، دخل الإعلان في عصرٍ جديد تمامًا، فأصبح بإمكان الشركات الوصول إلى جمهور عالمي ضخم من خلال مواقع الويب ووسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت العديد من أشكال الإعلانات الرقمية مثل الإعلانات النصية، والبانر، والإعلانات المصورة، والفيديوهات الإعلانية، كما ظهر التسويق عبر محركات البحث والتسويق عبر البريد الإلكتروني.
الوسائل الإعلانية في عصر الرقمنة:
- محركات البحث (Search Engine Advertising – SEA):
- جوجل أدز: هي أشهر منصة لإعلانات محركات البحث، حيث تظهر إعلاناتك في أعلى نتائج البحث عندما يبحث المستخدمون عن كلمات مفتاحية مرتبطة بمنتجاتك أو خدماتك.
- بينج أدز: منصة إعلانات محركات البحث الثانية بعد جوجل، وتقدم خيارات استهداف مختلفة.
- منصات التواصل الاجتماعي:
- مثل الفيسبوك والانستقرام وإكس ولينكدإن، والتي تعد منصات إعلانية قوية تستهدف شرائح جمهور متنوعة بناءً على الديموغرافية والاهتمامات والسلوك، للترويج للمنتجات والعلامات التجارية، ويختص لينكدإن في الترويج لخدمات ومنتجات الشركات واستهداف المهنيين في مختلف المجالات.
- البريد الإلكتروني:
- إرسال رسائل إلكترونية مخصصة إلى قائمة عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بالشركة، وتحتوي على عروض خاصة أو محتوى جذاب.
- المؤثرين:
- التعاون مع المؤثرين عبر دفع عمولة لهم مقابل الترويج لمنتجات أو خدمات الشركة.
- الفيديو:
- يظهر على منصات مختلفة مثل يوتيوب وفيسبوك وغيرها، وتستخدم لتقديم رسائل إعلانية بصريًا وجذابة.
- الإعلانات الصوتية:
- تظهر على المنصات الصوتية مثل سبوتيفاي وأبل بودكاست، وتستخدم للترويج للمنتجات والخدمات أثناء الاستماع إلى المحتوى الصوتي.
عصر الوكالات الإعلانية:
بدأت الوكالات الإعلانية من كونها مجرد وسيط صغير يربط بين المعلن ووسائل الإعلام، وصولاً إلى مؤسسات ضخمة تؤثر بشكل كبير في الثقافة المجتمعية وسلوك المستهلك، مما شهد هذا القطاع اليوم تحولات جذرية مع تطور التكنولوجيا وظهور وسائل الإعلام الجديدة، ليؤثر بدوره على دور الوكالات الإعلانية وأساليب عملها.
كيف أثّرت الوكالات التسويقية على الإعلانات؟
الخبرة والتخصص:
- الخبرات المتراكمة: تمتلك الوكالات الإعلانية خبرة واسعة في مختلف المجالات الإعلانية، مما يسمح لها بتقديم حلول مخصصة لكل عميل.
- البحث والدراسات: تقوم بإجراء أبحاث ودراسات شاملة لفهم السوق المستهدف وتحديد احتياجات العملاء، مما يساهم في تطوير استراتيجيات تسويقية فعالة.
- الإبداع والابتكار: تمتلك الوكالات فرق إبداعية قادرة على تطوير أفكار مبتكرة وجذابة لجذب انتباه المستهلكين.
شبكة علاقات واسعة:
- العلاقات مع وسائل الإعلام: تمتلك الوكالات علاقات قوية مع مختلف وسائل الإعلام، مما يسهّل عملية نشر الإعلانات والحصول على أفضل الأسعار.
- الشراكات الاستراتيجية: تبني الوكالات شراكات مع موردين ووكالات أخرى لتقديم خدمات متكاملة للعملاء.
الإدارة والتطوير:
- إدارة الحملات الإعلانية: تتولى الوكالات إدارة جميع جوانب الحملة الإعلانية، مما يوفر على العملاء الوقت والجهد.
- تحليل النتائج: تقوم بتحليل نتائج الحملات الإعلانية وتقديم تقارير مفصلة للعملاء.
- تطوير المنتجات والخدمات: تساعد الوكالات الشركات على تطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات المستهلكين.
تحديات الإعلانات اليوم في العصر الرقمي
تعتبر الإعلانات في العصر الرقمي سلاح ذو حدين، فهي من جهة وسيلة فعالة للتواصل مع الجمهور المستهدف، ومن جهةٍ أخرى تواجه تحديات كبيرة نتيجة الزخم الذي نشهده اليوم في إنتاج الإعلانات.
- تشبّع السوق الإعلاني: مع تزايد المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الجمهور يتعرض لكمية هائلة من الإعلانات، مما جعله أكثر انتقائية وبالتالي يحد من فعالية الإعلانات التقليدية.
- حجب الإعلانات: يستخدم الكثير من المستخدمين برامج حجب الإعلانات، مما يقلل من وصول الإعلانات إلى الجمهور المستهدف.
- تغيّر سلوك المستهلك: أصبح المستهلكون أكثر ذكاءً ووعيًا بالإعلانات، وهم يبحثون عن محتوى أصيل ومفيد بدلاً من الإعلانات التقليدية.
- الخصوصية: يزداد اهتمام المستهلك بخصوصية بياناته الشخصية، مما يجعل من الصعب على المسوّقين جمع واستخدام البيانات لتوجيه إعلاناتهم.
لقد تطورت الإعلانات بشكل كبير منذ بداياتها حتى الآن، من النقوش على جدران الكهوف إلى الإعلانات الرقمية المتطورة، لتُصبح قوة مؤثرة في عالم الأعمال والتسويق، ومع استمرار التطور التكنولوجي، من المتوقع أن يشهد الإعلان المزيد من التغيرات والتطورات في المستقبل.
المصادر
0 تعليقات