هل سبق وتساءلت عن سر نجاح بعض الحملات التسويقية في جذب انتباه الرجال بفاعلية، بينما تفشل غيرها في ذلك؟ وهل يقتصر الأمر على استخدام ألوان رجالية باحترافية وتضمين صور معينة؟ أم هذه الحملات الناجحة استطاعت فهم نفسية الرجل بعمق ودرست دوافعه وكيفية اتخاذه للقرارات في الحياة اليومية؟
الرجل اليوم تجاوز كونه مجرد متلقي للمنتجات أو الإعلانات التقليدية، وأصبح صاحب رغبات وطموحات تعكس نظرته لذاته ودوره في المجتمع. لم تعد قراراته الشرائية تُحدد بالسعر أو الترويج فقط، بل تتأثر بخبراته، قيمه، واهتماماته الفردية. كل تفاعل مع الرجل المعاصر يحتاج إلى مقاربة تسويقية خاصة مدروسة بعناية، قادرة على فهم أبعاده النفسية والاجتماعية، وتصميم تجارب وعروض تتناغم مع شخصيته الفريدة. العلامات التجارية التي تتبنى هذه المقاربة تستطيع بناء علاقة طويلة الأمد مع عملائها من الرجال وتحقيق تأثير يتجاوز مجرد البيع. فهل علامتك التجارية مستعدة لتقديم إستراتيجية تسويقية تتجاوز التقليد وتصل إلى دوافع الرجل الحقيقية؟
عند اتقان فن فهم هذه التفاصيل الدقيقة، نتمكن من بناء جسور تواصل صادقة ومؤثرة، وأساس ثابت لعلاقة قوية ودائمة. في هذه التدوينة، نتعمّق في عالم التسويق للرجال، لنكتشف كيف يمكن لتحليل دوافعهم أن يسهم في نجاح حملاتك التسويقية.
كيف ينظر جمهور الرجال لمحتوى العلامات التجارية؟
تقديم المحتوى والإعلانات والمنتجات للرجال اليوم لم يعد مهمة بسيطة، لأنه يحتاج إلى استراتيجية تسويقية متكاملة تتوافق مع أسلوب تفكيرهم واحتياجاتهم المتغيرة باستمرار. الرجل اليوم لا يندرج تحت إطار واحد من أنواع الجماهير، كل فرد له توجهاته الخاصة، تفضيلاته المختلفة، وطريقة تفكيره الفريدة التي تتأثر بأسلوب حياته، وظيفته، واهتماماته اليومية، على سبيل المثال:
الجودة العالية: هناك من يهتم بالمنتجات الفاخرة والأدوات المتينة التي تصمد مع الزمن.
السعر التنافسي: البعض يختار المنتجات التي توفر له القيمة مقابل المال.
البساطة وسهولة الاستخدام: البعض يفضّل الخدمة السريعة التي توفر عليه الوقت والجهد.
التجربة الشخصية الفريدة: وآخرون ينجذبون للخدمات المخصصة لأنها تجعلهم يشعرون بأن المنتج صُمم خصيصًا لهم.
هذا التنوع الكبير يوضّح أن المقاربة التسويقية التقليدية غير كافية الآن، ومن الصعب إطلاق حملة واحدة والتوقع بأنها تجذب كافة الرجال بنفس الطريقة. لذلك يحتاج التسويق لهم إلى إستراتيجية مرنة وشاملة، قادرة على تصميم تجارب وعروض مختلفة لكل فئة، بحيث يشعر كل رجل أن المنتج أو الخدمة تفهمه وتلبي احتياجاته الفعلية.
كيف تفهم دوافع الرجل وقراراته الشرائية؟
التسويق للرجال لا يقتصر على الألوان الداكنة أو صور السيارات الفارهة والساعات الفخمة. هذه عناصر سطحية وغير كافية لجذب اهتمام الرجل اليوم. بل يتطلب فهم أعمق لشخصيته ودوافعه وقراراته الشرائية والتي يمكن معرفتها من خلال ثلاثة أسئلة الجوهرية:
أولًا: ما الذي يثير اهتمام الرجل بشكل حقيقي وواقعي؟
هذا السؤال يساعد العلامات التجارية على معرفة المحفزات الأساسية للرجل: هل يبحث عن الجودة؟ الراحة؟ التميز الاجتماعي؟ الأداء؟، والفهم الدقيق لهذه النقطة يسمح بتصميم محتوى وعروض تتوافق مباشرة مع اهتماماته، بدلًا من استخدام رسائل عامة قد لا تجذب انتباهه.
ثانيًا: كيف يفكر الرجل قبل أن يشتري؟
معرفة طريقة التفكير قبل الشراء تكشف المراحل العقلية التي يمر بها المستهلك، مثل المقارنة بين الخيارات، البحث عن المراجعات، الاهتمام بالقيمة مقابل السعر، أو الاعتماد على التجربة السابقة. ومن خلال فهم طريقة تفكيره، تتمكن العلامة التجارية من وضع الرسالة الصحيحة في الوقت المناسب، مثل محتوى معلوماتي، مراجعات، أو عروض محددة تناسب قرار الشراء.
ثالثًا: ما العوامل التي تجعل الرجل يختار منتجًا معينًا على الآخر؟
هنا نتحدث عن محركات الاختيار الفعلية، أي الخصائص أو الفوائد التي تدفع الرجل لاتخاذ قرار الشراء: الجودة، السعر، السمعة، تجربة الاستخدام، أو حتى القيم التي تمثلها العلامة التجارية.، والتركيز على هذه العوامل يضمن أن الحملة التسويقية تصل مباشرة إلى نقطة اتخاذ القرار وتزيد من احتمالية التحويل والمبيعات.
ويمكن تعميق التحليل لتشمل أسئلة إضافية تعتمد على السياق الثقافي والاجتماعي والاقتصادي للمستهلك بمعرفة أسلوب حياته واهتماماته لتحديد كيف يمكن دمج المنتج أو الخدمة ضمن روتينه بسلاسة. وبمعرفة قيم الجمهور يمكن صياغة الرسائل التسويقية التي تتوافق معه وبالكشف عن تجاربه السابقة مع منتجات مشابهة، تتمكن العلامة التجارية من معرفة نقاط الألم أو العوائق التي يجب التغلب عليها.
الإجابة على هذه الأسئلة تسمح للعلامات التجارية بتصميم محتوى وتجارب تسويقية شخصية وذكية، بحيث يشعر الرجل أن المنتج أو الخدمة تلبي احتياجاته بطريقة واقعية وملموسة، وليست مجرد إعلان عابر يمكن نسيانه بعد ثوانٍ.
لماذا يشكل الرجل شريحة استراتيجية للعلامات التجارية؟
تجاهل هذه الشريحة يعني خسارة جزء كبير من العملاء المحتملين، لا سيما في قطاعات حيوية مثل العناية الشخصية والأزياء والتقنية والرياضة، لأنه اليوم أصبح أكثر وعيًا واطلاعًا، يبحث بنشاط عن علامات تجارية تتفهمه وتخاطبه بلغته الخاصة. وفقًا لدراسة نشرتها شركة McKinsey، يُتوقع أن يصل عدد المستهلكين في السعودية إلى أكثر من 100 مليون بحلول عام 2035، مع زيادة كبيرة في أعداد الرجال العاملين، مما يجعل فهم احتياجاتهم وتوجهاتهم أمرًا بالغ الأهمية للعلامات التجارية.
أمثلة عملية على تفضيلات الرجل:
الرياضي الطموح: يُفضل الرسائل الإعلانية التي تبرز التحدي والأداء العالي والنتائج السريعة.
رجل الأعمال: يبحث عن رسائل تعكس الجدية والثقة والاحترافية التي تساهم في إنجازاته.
الأب المسؤول: يهتم بالمنتجات التي توفر له ولأسرته الراحة وتساعده على أداء مسؤولياته الأسرية بسهولة وكفاءة.
الهاوي للتقنية: يبحث عن أحدث المنتجات التي تُسهم في تحسين حياته اليومية وتسهيل مهامه.
مالفرق بين التسويق للرجال والتسويق للنساء
يميل الرجال عادةً إلى تفضيل الإعلانات الواضحة والمباشرة التي توصل رسالتها بسرعة وبدون تعقيد، فترتكز اهتماماتهم على النتائج العملية والملموسة: هل هذا المنتج فعّال فعلًا؟ هل استخدامه سهل؟ وهل يحقق فائدة واضحة؟ لذا، فإن الرسائل البسيطة التي تركز على الفاعلية، وتُعرض بأسلوب عملي واقعي، تكون الأقرب إلى عقول الرجال وقراراتهم الشرائية.
في المقابل، تميل النساء إلى الارتباط العاطفي والتفاصيل الدقيقة. فهنّ لا يبحثن فقط عن منتج يؤدي وظيفة معينة، بل عن تجربة متكاملة تعكس قيمهنّ وذوقهنّ وتعزز إحساسهنّ بالثقة والتميّز. لذلك، تنجح الإعلانات الموجهة للنساء عندما تروي قصة صادقة ومُلهمة، وتُظهر كيف يمكن للمنتج أن يكون جزءًا من أسلوب حياتهنّ أو يترك أثرًا إيجابيًا في مشاعرهنّ اليومية.
هذه الفروقات لا تعني الفصل بين الجنسين في الاستهداف، بل تسليط الضوء على أنماط التفكير المختلفة التي تؤثر على قرارات الشراء. فبينما يتأثر الرجل بالعوامل العملية والمنطقية، تستجيب المرأة أكثر للتجارب التي تمس العاطفة وتخلق رابطًا وجدانيًا مع العلامة التجارية.
لهذا، فإن نجاح أي حملة تسويقية اليوم يتطلب فهمًا عميقًا لسيكولوجية كل فئة، وتصميم رسائل تجمع بين الواقعية والتحفيز العاطفي في الوقت ذاته. فالمسألة ليست “من المستهدف؟” بقدر ما هي “كيف نخاطبه بما يلامس إحساسه؟”.
كيف تبني إستراتيجية تسويقية ناجحة للرجال؟
الرجل السعودي اليوم يعيش في واقعه وشخصيته مزيجًا من الأصالة والمعاصرة؛ فهو يعتز بهويته التقليدية وفي نفس الوقت منفتح على التجارب الحديثة. لذا، إستراتيجيتك يجب أن تراعي:
أولًا: الهوية البصرية البسيطة والقوية:
الألوان: استخدم ألوانًا واثقة وعميقة بعيدًا عن المبالغة؛ لتعكس القوة والرزانة.
التصميم: اعتمد على تصميم بسيط ونظيف وواضح، خالٍ من التعقيد.
الخطوط: اختر خطوط سهلة القراءة ومريحة للعين.
تشير الدراسات إلى أن الرجال يفضلون كل ما هو بسيط ومباشر؛أي أنه كلما كان التصميم معقد أو مشتت فإن رسالتك التسويقية تفقد تأثيرها.
ثانيًا: الرسائل التي تلامس الرجل بفعالية غالبًا ما تكون:
واضحة ومباشرة: «هذا المنتج سيحل مشكلتك…»، «ستحصل على الفائدة من…»
صادقة وواقعية: يقدّر الرجال الصراحة فيما يتعلق بالفوائد والنتائج الحقيقية،؛ لذلك لا تقطع وعودًا خيالية.
أنيقة وبسيطة: في تصميمها وطريقة عرضها لتعبر عن الثقة والوضوح بعيدًا عن التكلف.
مثال محلي بارز يمكن الاستشهاد به هو علامة «شماغ سيّار» ، حيث نجحت في ترسيخ حضورها عبر مقاربة تسويقية ذكية تجمع بين الأصالة والارتباط العاطفي بسلوك الرجل السعودي، فقد ركزت في حملاتها على القيمة الثقافية للشماغ بوصفه جزءًا من هوية الرجل ومظهره اليومي، مع تقديم رسائل تلامس اهتماماته ومناسباته المختلفة.
في إعلان «مدير التضحيات» مثلًا، استطاعت سيّار أن تربط منتجها بمناسبة دينية عظيمة كعيد الأضحى، من خلال تصوير الرجل في مشهد يعبّر عن المسؤولية والعطاء، ليصبح الشماغ رمزًا يُجسّد القيم الرجولية الأصيلة، وفي إعلان آخر بعنوان «عودة الشماغ للمدارس هي عودة الرجال للمدارس»، قدّمت العلامة رسالة تحمل روح الحماس والمسؤولية بطريقة بسيطة ومعبّرة، تربط بين رمزية الشماغ وقوة الحضور الذكوري في الحياة اليومية.
من خلال هذا النهج، استطاعت العلامة التجارية أن تعزز قيمة منتجها، وتحافظ في الوقت ذاته على جوهر رسالتها الجادة التي تعكس الثقة والمصداقية، لتصبح مثالًا على كيفية مخاطبة الرجل السعودي بلغة قريبة من وجدانه وثقافته دون تكلف أو تكرار.
بناء الروابط العاطفية: كيف يصبح منتجك جزءًا من هوية الرجل؟
يتأثر الرجال بالعاطفة لكن بطريقتهم الخاصة، فالكثير منهم يربطون خياراتهم اليومية بهويتهم الشخصية وصورتهم الذاتية؛ ما يجعل قراراتهم الشرائية انعكاسًا مباشرًا لما يريدون أن يكونوا عليه. وهنا يأتي دور علامتك التجارية في تحويل منتجك من مجرد سلعة تُشترى، إلى رمزٍ يعبر عن الثقة والانتماء والهوية.
تأمل مثلًا حملة جيليت (Gillette) التي تناولت «مفهوم الرجولة الجديد»، وتجاوزت كونها إعلانًا لمنتجات حلاقة لتصبح رسالة إنسانية تدعو لإعادة التفكير في السلوكيات والأدوار الاجتماعية وجوهر الهوية الرجولية. هذا النمط من الخطاب يصنع علاقة عاطفية حقيقية بين الرجل والعلامة التجارية، علاقة تتجاوز المنتج لتصل إلى مستوى القيم والمبادئ.
فإذا استطعت أن تجيب بوضوح على سؤال: ما الذي يمثله منتجي في حياة الرجل؟ وماذا يضيف له؟ فأنت تمضي في الطريق الصحيح نحو بناء ارتباط لا تصنعه الحملة، بل تصنعه الفكرة التي تقف خلفها.
كيف توصل الشعور والقيمة لمنتجك بفاعلية؟
عندما يرى الرجل في منتجك انعكاسًا لذاته وطموحاته وقيمه، يتحوّل المنتج إلى جزء من هويته. عندها لا يشتريه فقط، بل يدافع عنه، ويصبح سفيرًا له من تلقاء نفسه.
احكِ قصصًا مُلهمة: ركّز على قصص التحدي والمثابرة والنجاح، فالرجل يقدّر الرحلة أكثر من النتيجة، ويُلهمه الجهد والتجربة والإنجاز.
ضمّن شخصيات واقعية: شخصيات تعبّر عن طموح الرجل السعودي مثل الرياضي الذي لا يعرف المستحيل، أو رائد الأعمال الذي يصنع فرصه، أو الأب الذي يوازن بين النجاح والعمل والعائلة.
خاطب بصدق وشفافية: ابتعد عن المبالغة ، فالرجل يقدّر الواقعية، ويبحث عن العلامات التي تقول الحقيقة كما هي.
التسويق للرجال فن بناء علاقة قائمة على الصدق والانتماء. وكلما كانت رسالتك التسويقية قريبة من واقعه، صادقة في لهجتها، وملهمة في قيمها، كانت علامتك التجارية أقرب إلى قلبه وعقله، وأعمق أثرًا في السوق.
المصادر: